ما هو العمر المناسب لاكتشاف و تنمية المواهب لدى الأطفال ؟ هل ندعهم يعبرون عن أنفسهم بأنفسهم أم أن هناك طريقة خاصة يمكن أن نفتش بها عن مواهب أطفالنا في عمر مبكر، لنساعدهم على تنميتها بشكل أفضل في وقت مبكر قد يكون حاسمًا للبعض؟ كثيرًا ما يشغلنا هذا السؤال، فكل أم ترغب في أن يكون طفلها مميزًا، ولكن كيف؟ ومتى؟ مسألة تبدو ملحة، خصوصًا أن الموهبة داخل الطفل تبدو كالحمم البركانية التي تحتاج إلى سبيل من أجل الخروج، وفي حال عدم التنفيس عنها وتوظيفها بالشكل المناسب قد تنقلب الأمور إلى العكس تمامًا.
ما هو العمر المناسب لاكتشاف المواهب؟
لا توجد إجابة نموذجية عن هذا السؤال، الإجابة الصحيحة لدى كل من الأب والأم، أنتما من تملكان اكتشاف مواطن تميز الصغير. دور الوالدين لا يقف عند حدود الطعام والشراب والتعليم والعناية والنظافة، ولكن أيضًا يمتد إلى استكشاف مواطن التميز لدى الطفل، ومن المفيد أن نعلم أن بعض الأطفال يولدون مميزين بالفطرة، والبعض الآخر يكتسب عدة مهارات تثقل موهبة ما لديه مع الوقت، فمثلاً الطفلة الهندية سوشما فيرما كانت تبلغ من العمر عامين فقط حين استطاعت قراءة الملحمة الهندوسية “رامايانا”، وفي عمر الخامسة كانت قد وصلت في الدراسة إلى مرحلة متقدمة، مكنتها بعمر الـ15 أن تحصل على درجة الماجستير في الأحياء الدقيقة.
الخبر الجيد أن القطار لا يفوت أبدًا، إن كان صغيرك قد تخطى الخامسة من عمره ولم تعثر بصحبته بعد على موطن موهبته، فالفرصة لم تمضِ، على العكس، مزيد من الوقت قد يعني مزيدًا من الوضوح للموهبة. التعلم واكتساب المهارات مسألة تستمر على مدار العمر، لكن هذا لا يعني أن نتأخر؛ كلما استطعت البدء في عمر مبكر كان ذلك سببًا كي يشكرك أبناؤك في المستقبل.
من أين تأتي الموهبة؟
في مرحلة ما كنت أبحث كالمحمومة عن موضع تميز ابني، لكن الأمر جاء بشكل عكسي، وبدلاً من أن أحمسه للتعبير عن نفسه، رحت أضغطه وأبتزه دون قصد، ليظهر لي ما أعتقد أنه موضع موهبة، كالفك والتركيب الذي جعلني أحلم لوهلة أنه سيكون مهندسًا عظيمًا، وعليه أن يبهرني أكثر بما يفعل، لكن هذا لم يحدث، ما أصابني بإحباط لم ألبث أن تعلمت من بعده درسًا هامًا جدًا، الموهبة تنبع من داخل الطفل، ولا تأتي من خارجه، هذا يعني أن تشجيع الطفل على تبني اهتمامات معينة بدعوى تنمية موهبتهم قد يأتي بنتائج عكسية. اكتشاف موهبة الطفل تبدأ من تركه حرًّا، يستكشف ما يريد دون أي توجيه بأي شكل ودون أي تلقين مسبق. الموهبة الحقيقة تظهر في لحظة حرية تامة يختار خلالها الطفل ما يحب فعلاً.
كيف أكتشف موهبة طفلي؟
ثمة وصفة سحرية ومختصرة للكشف عن موهبة الطفل، في مرحلة مبكرة من عمره، سوف أختصرها في النقاط التالية:
1. لا تضغط طفلك ولا تستعجله
في النادي الذي توصلت له أخيرًا كي أدرب ابني فيه على السباحة، كانت هناك أم تجلس بفخر تتحدث عن الرياضات الثلاث التي ينقسم أسبوع ابنها بينها، وأنه لا يملك وقتًا أبدًا، ولا هي أيضًا، فهو يتدرب سباحة وجمباز وكرة قدم، وتشترك له في الوقت بذاته بأكثر من ورشة فنية، باختصار نادرًا ما يمكث بالمنزل. لوهلة تمنيت لو أنني أفعل الأمر ذاته مع ابني، لكني تذكرت كل المجهود المبذول كي نلحق بتمرين واحد فقط، مزيد من الأنشطة تعني مزيدًا من الجهد والإرهاق. هل يمكن لطفل مرهق أن يتميز ويبدع؟ علمت صدق حدسي حين أنهى صغيرها تمرين السباحة ووقف قبالتها بضيق راجيًا أن تعفيه من تمرين كرة القدم، الذي يحل عقب ساعة واحدة من انتهاء الأول، لكنها كانت حاسمة: “كل ده عشان مصلحتك”.
2. الموهبة أقرب مما تتخيلي
لا يمكن إنكار تغير الزمان، المواهب تتتغير بتغير الزمن، إن كانت موهبة الصغير لم تبرز في الأمور التي تألفينها كالرسم والموسيقى واللغة، فيمكن أن تتعلق موهبته بأمور لا تخطر ببالك، كالتكنولوجيا التي تجتهدين في إبعاده عنها، والشاشات التي تبحثين في كيفية حمايته منها. المرونة تتطلب منك أن تتركي العنان للصغير كي يجرب، وأن تكتشفين معه مواضع شغفه، وتلك الأمور التي يمكنه أن ينفق فيها ساعات دون كلل أو ملل، كالألعاب مثلاً. ماذا عن تعليمه مبادئ البرمجة كي يصمم لعبته بنفسه؟
3. الخطأ بداية الصواب
من أشهر الأخطاء التي يقع فيها الآباء هو الشعور بالاحباط مع أطفالهم حين يبدؤون الخطوات الأولى، فمثلاً قد تتعلق موهبة الصغير بالبرمجة، لكنه قد يمل في المرحلة الأولى من التعلم، هذا لا يعني أنه لا يملك الموهبة أو أنه فقدها، هو فقط بحاجة إلى مزيد من الوقت والجهد كي يصير أفضل. ارتكاب الأخطاء والملل ليس نفيًا للموهبة.
4. المسألة ليست سهلة
الموهبة ليست أمرًا طبيعيًا نولد به ويتطور مع الوقت، الموهبة بذرة إما ترعاها فتنمو، وإما تضمحل فتختفي. الفيصل في المجهود والمثابرة اللازمة للتطوير والعناية. كلمة السر في المرونة مع عدم الاستسلام أبدًا، عليك دائمًا أن تكون منفتحًا على أفكار طفلك وتطلعاته.
5. طفلك ليس نسخة منك
تراجع وشاهد الأمور التي لم ننجح بها، لن يحققها لنا أبناؤنا، هم امتداد لأنفسهم لا لنا، كل المطلوب أن نكون بالخلف لا الأمام، نتراجع ونرى الزهرة الجميلة تنمو بينما نحن في الخلفية ندعم ونؤازر ونشجع ونقول لهم أحسنتم.
نصائح الخبراء من أجل تنمية موهبة الطفل
أمضى كي أنديرسون، أستاذ علم النفس في فلوريدا، سنوات طويلة في دراسة الأشخاص المتميزين، وكانت النتيجة التي توصل إليها أن الأهم من الموهبة، الممارسة، حيث خلص إلى أنه بإمكان أي شخص أن يجيد أي شيء إذا شارك في ممارسة متعمدة، وتحسين الأداء الشخصي عبر أهداف صغيرة جدًا ومتعاقبة ومحددة بشكل كبير، وبكثير من المثابرة والاهتمام.
الدكتور كينيث كيورا أستاذ علم النفس التربوي في جامعة نبراسكا لديه كتاب هام بعنوان “رعاية مواهب الأطفال: دليل للآباء” يقول في كتابه المهم ألا تركز على الجائزة أو النتيجة النهائية، الأهم أن تصمم على أن تكون يوم الخميس أفضل مما كنت عليه يوم الثلاثاء. النقطة الأهم بحسب كيورا عقب أبحاث ميدانية عديدة يلخصها بقوله: “يحب أن يكون الأب والابن شريكين، فلا يقود أحدهما الآخر”.
الفكرة ذاتها يؤكدها بحث نشر بمجلة “جي آند تي” حيث ينصح مجموعة من الخبراء بأن يبدأ الوالدين في تنمية الموهبة لدى الطفل عبر ثلاثة أمور رئيسية: “أن يمتلك الصغير زمام المبادرة، وأن يتتبع الوالدين اهتماماته ويوفرا له فرصًا لتوسيع هذه الاهتمامات، والأهم استخدام الأسئلة كفرصة للتعلم معًا”.
اخلاء مسؤولية! هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي جامعة الرازي